أي شهر قد تولى .. يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه .. بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهر .. مرّ بالغفلة عنا
ثم لا نعلم أنّا .. قد قبلنا أم حرمنا
ليت شعري من هو .. المحروم والمطرود منا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لولا أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالفرح في مثل هذا اليوم … لبكيت.
لم يكن لرمضان هذا العام قوة وقع مثل رمضان الماضي الذي غير مجرى حياتي وأذاقني حلاوة الإيمان والعبادة .. ومن ثم، كيف للإنسان أن يفرح بالعيد .. بعيداً عن الوطن .. بعيداً عن أفراحه في الوجوه جميعاً والعائلة الكبيرة التي تجتمع في بيت الجد الأكبر ليحتفل الكبار والصغار مع بعض. لكن .. طالما أنه أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم .. فوجبت الطاعة.
لقد جعلت من عيدي فرحاً رغم جميع المنغصات.
صباحاً، انطلقت إلى المسجد الأساسي في موسكو، مشحونة بالتوتر ومزيج من الإحساسات المتناقضة من الفرح والخوف والحزن. لم أحضر صلاة عيد قبل اليوم أبدا، وأصلاً لم أذهب إلى هذا المسجد قبلاً .. التقيت زميلتي -التترية- في الطريق كما تواعدنا وانطلقنا معاً. لم نأت باكراً كما كنت أتمنى، قبل الصلاة بنصف ساعة لا غير، إلا أننا تهنا في زحام المسلمين نساءً ورجالاً نبحث عن الطريق المؤدي للمكان المخصص لمصلى النساء. اكتشفت متأخرة أنه لا يوجد مثل هذا المكان !! ..
فأول، المسجد من الداخل مغلق، حتى مصلى النساء اليومي حوّل إلى مصلى للرجال، وأعتقد أن من كان بالداخل من الناس التي على رأسها (الريشة) الكبيرة. أما الناس الباقين -وهم الأكثرية الساااحقة- فبدأوا بافتراش الرصيف والحديقة وحتى الشارع الذي أغلق في هذا اليوم. سجادات وأكياس وكراتين بل وجرائد امتدت أمام كل واحد. لم أفكر أن أحضر معي شيئاً من ذلك .. الطقس كان لا بأس به، ولكن المطر لم ينقطع في الليلة السابقة، لكم أن تتخيلوا حالة الأرض في ذاك الوقت. مشينا كثيراً بين عداد وصفوف المصلين الذين استعدوا لسماع خطبة العيد - فعلاً غريب من الروس أنهم يصلون ركعتي العيد بعد سماع الخطبة بينما المفروض هو العكس - والغريب أيضاً أن الصفوف كانت خلاطاً بين النساء والرجال - يا سبحان الله - والأغرب من كل شي .. هن النساء اللواتي جئن للصلاة بلا حجاب أو ببنطال يكسم مؤخرتهن يا إلهي !! فقد شعرت بكل القرف لوجودي في هذا المكان - اللهم اغفر لي - لكن هذا ما حصل . لا أعرف أين العاملين والقائمين على التنظيم ؟ أم أنهم غير موجودون أصلاً .. يا للأسف.
بحثت كثيرا مع صديقتي ريما عن مكان - مناسب - لنقيم فيه صلاتن، إلى أن وجدنا مكاناً في زاوية بعيدة جداً وبين المباني (إذ أن الساحة حول المسجد امتلئت وامتدت الصفوف إلى ما بين المباني المجاورة- ووقفنا في آخر صف في الزاوية مع مسلمتين آخرتين ومن الجهة الأخرى وقف الرجال. لم يكن المكان رصيفاً بل أشبه بحديقة صغيرة، تراب وبعض الشجيرات، مر بخاطري سريعاً كيف لنسنجد على الطين ، إلى أن -شحدنا - جريدتين من أخ مسلم أمامنا الذي لم يرد أن يخجلنا إلا أنه حمّلنا بعض الـ(من نية) مع أنني لا أفهم ماذا كان سيفعل بالجرائد الزائدة لديه.
اللهم اعف عني .. وعن سوء ظني بعبادك الذين أتوا للصلاة لك في العيد.
المهم .. لم نستطع أن نتبين تماماً ما جاء في الخطبة -نصفها باللغة التترية ونصفها بالروسية- ولكنني استطعت تميز التلاوة والتكبيرات بوضوح، وقضينا الخطبة واقفين على أقدامنا. ومجموعة شباب أمامنا مستغرقين في حديث طويل وضحكات مدوية .. إلى أن جاء وقت إقامة الصلاة …… اللهم اعف عن نيتي …… ذاب قلبي بسماع تلاوة مفتي روسيا السيد “رافيل غين الدين” بصوته الشجي وانطلق جسدي أمامي بالسجود غير آبهاً بالطين والبرد والرجال الواقفين على الطرف الآخر ………. لكن الطامة الكبرى كانت هنا …….. أنه لم يسجد الرجال الواقفون على يميني … بل ظلوا جامدين واقفين.
اللهم تب عن نيتي …… لكنني حقيقةً أشعر بالأسف … الأسف الأسف الشديد … كل هذه الجموع … كل هذه الألوف (ولست أبالغ) أتت ليس للعبادة بل للفرح واللقاء وتبادل السلامات.
طبعاً أفهم التعميم ممنوع أينما كان … ليس الكل بل المعظم
انتهت الصلاة … امتنعت وصديقتي من الذهاب والتحرك إلى أن فرغت الساحة نوعاً ما من الرجال …. وانطلقنا إلى أعمالنا.
إلهي …… الحمد والشكر لك …… الذي بلغتني ما بلغتني …… الشكر لك على نيتي في عبادتك وحمدك
الحمد لك …… والدعاء لك بعدم الوقوع في الفتنة
حدثتني صديقتي أن كثير من الشباب يأتي إلى هنا للتعارف …… اللهم دعائي لك أن تجل نية الألوف هذه للاجتماع لعبادتك فحسب
المهم … أن العيد كان رائعاً …. اجتماعي للفطور في آخر يوم من رمضان مع أصدقائي …. واجتماعي مع عائلتي في أمسية العيد …. فرح لا يوصف
حقاً .. إن السعادة من صنع الإنسان وحده وتوفيق رب العالمين …. ولا يصح لنا انتظارها جالسين مكتئبين
والسلام عليكم
كُتِبَت في 24 أكتوبر 2006 م